Hind Obiedin

Editor AlMaarej

على بعد مائة وخمسين متراً من برجي التجارة العالميين اللذين تمّ تفجيرهما في 11 سبتمبر 2001 ونُسب هذا العمل الإرهابي آنذاك لمنظمة متطرفة هي منظمة القاعدة والتي تدعي الانتماء إلى الإسلام والذي هو منها براء أعلنت مؤسسة إسلامية أمريكية رغبتها في إقامة صرح حضاري كبير له صفة إسلامية، وهو عبارة عن مركز اجتماعي إسلامي متعدد الاختصاصات يضم عدة طوابق، يحتوي الطابقان الأرضي والأخير مسجداً وقاعةً للفنون وحماماً للسباحة وملعباً لكرة السلة ومكتبة ضخمة ومدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية. هذه المؤسسة ممثلة بالشركاء الثلاثة: شريف الجمال المولود في نيويورك من أب مصري وأم بولندية، والمالك والمدير التنفيذي لشركة «سوهو» مالكة العقار، والشيخ فيصل عبد الرؤوف، المصري الأصل والمولود في دولة الكويت، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصحبة والده الداعية الإسلامي وإمام مسجد الفرح في نيوجيرسي، حيث درس في جامعة كولومبيا وحاز على شهادة الماجستير في العلوم الفيزيائية إلا أنه عاد واستقر به الحال خلفاً لوالده إماماً للمسجد. وهو باحث ومفكر وله العديد من الكتابات والأبحاث التي تتناول الفكر الإسلامي. أما الثالثة فهي الماليزية ديزي خان، المولودة في الهند في مقاطعة كشمير وهي زوجة الشيخ فيصل تعمل مهندسة متخصصة بالعمارة والديكور الداخلي.

أما في فلوريدا فقد تزامن الحدث السابق ذكره بإعلان القس تيري جونز توجيه الدعوة إلى الشعب الأمريكي لإحياء الذكرى السنوية لتفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية بالاشتراك مع الحملة المنظمة لحرق نسخ القرآن الكريم. القس تيري جونز يعمل مشرفاً على كنيسة (دوف) في ولاية فلوريدا وكان أدلى بتصريحات عنصرية شنَّ خلالها هجوماً على الدين الإسلامي، واصفاً إياه «بأنه ليس ديناً سماوياً، بل هو نتاج شيطاني، وأن المؤمنين به سيذهبون إلى النار». كما صرح بقوله «إن الإسلام سيتسبب في دفع مليارات البشر إلى جهنم، وإنه دين مخادع وعنيف».

قضيتان شغلتا العالم، ما بين مؤيد ومستنكر، متحمس ومتعصب، عقلاني واندفاعي، مجموعة عشوائية من المشاعر التهبت في آن معاً وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع العالم كله، العالم المتقدم والعالم النامي، كل ذلك يدعونا للتريث ومعالجة الأمور من مختلف جوانبها السلبية والإيجابية.

بادئ ذي بدء فإن كلا الحدثين يؤجج مشاعر الكراهية والتعصب، مرة في قلوب المسلمين وتارة في قلوب غيرهم لتختفي ثقافة المحبة والحياة لتحتل مكانها ثقافة الكراهية والموت، فإذا أخذنا بعين الاعتبار التصريحات التي صدرت عن عدد من الكنائس والمؤسسات والمنظمات المسيحية المختلفة في أنحاء العالم، والتي عبرت عن الانزعاج الشديد ورفض وشجب الدعوة العنصرية الإرهابية التي أطلقها القس تيري جونز واعتبار مثل هذه الأعمال تحدياً سافراً للإنسانية في العالم كله وخرقاً واضحاً للقانون الدولي الذي يكفل للإنسان حرية الضمير والعقيدة والعبادة والحق في الحفاظ على الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية، وهي أيضاً انتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان،  وخروجٌ عن الإجماع الدولي الذي انعقد حول ضرورة بذل الجهود على جميع المستويات، لتعزيز حوار الثقافات وتحالف الحضارات وتعايش الشعوب وتفاهمها، في إطار من المشتركات الإنسانية، كما تمس بالدستور الأميركي الذي تكفل نصوصه الحقَّ لجميع المواطنين بما فيهم المقيمين في ممارسة شعائرهم الدينية، في ظل الحماية القانونية ضد أي شكل من أشكال الاضطهاد والضغط والإكراه والاعتداء على المقدسات وازدراء المعتقدات الدينية.

وقد أكد أمين عام منظمة الأديان من أجل السلام، الدكتور وليم فندلي، أن «الدعوة التي تبناها أحد القساوسة في ولاية فلوريدا بحرق نسخ من القرآن الكريم في ذكرى الهجمات الإرهابية في 11 أيلول، هي تصرف خاطئ وخطير، ويتعمد الإساءة إلى مقدسات المسلمين، وأن رؤساء الطوائف المسيحية في جميع أنحاء العالم، وجميع المؤمنين الصادقين من جميع الأديان، أبدوا رفضهم هذه الإساءة الموجهة إلى الدين الإسلامي، وأبدوا تضامنهم مع المسلمين، ورفضهم لما يواجهوه من إهانة وظلم… وفي الوقت نفسه، فإن الغالبية العظمى من المسيحيين يشعرون بالحزن من جراء هذا التصرف المشين الذي يُظهر المسيحية وكأنها تدعو إلى عدم احترام الإسلام».

وقد أكدت المجامع الدينية المسيحية رفضها التام لمثل هذه التصريحات مؤكدة على أن كل جماعة دينية هي عرضة لمثل هذا النوع من الهجوم الذي يسيء فيه المتطرف استخدام دينه لمهاجمة الآخرين، ويشعر بالنجاح إذا تمكن من خلق التوتر والاستقطاب بين الأديان والحصول على رد فعل من المجتمع المهاجم.

أما الحدث الثاني وعلى الرغم من بعض التحفظات لديَّ حول بناء مسجد في تلك البقعة من الأرض بالتحديد لما قد يثيره هذا الأمر من شعور بالامتعاض والحقد على الإسلام من قبل أهالي الضحايا الأبرياء الذين سالت دماءهم وانتشرت أشلاءهم في نفس البقعة  في الحادي عشر من سبتمبر العام 2001، لاسيما مع وجود مسجد قريب جداً من المنطقة المذكورة ما زالت تقام فيه الصلوات والاجتماعات الدينية الإسلامية دون أي تعارض من بلدية نيويورك،

ولما يتنافى برأي من الهدف الأساس من إقامة المساجد فإن إقامة المساجد ودور العبادة هو حماية للمجتمع وأمان للمواطنين فإذا كان هذا الهدف سيتحقق عكسه فمن المستحب ترك الأمر لأن البشر أهم من الحجر. ولكن هذا الأمر وما لاقاه من اعتراضات رسمية وغير رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية إنما يشير بدلالته على خطورة بالغة في انتهاك الحريات العامة وغياب مفهوم الديمقراطية في بلد يدعي خوضه الحروب في غير منطقة في العالم تحقيقاً لديمقراطية مفقودة هنا أو هناك. كما يمسّ حقاً من الحقوق المشروعة للمسلمين أيّاً كانت جنسياتهم. وهو حق تكفله القوانين الدولية. لذلك فإن الاعتراض على إقامة هذا المشروع الاجتماعي الديني في نيويورك، هو موقف موجّه ضد الإسلام والمسلمين، وليس موجهاً إلى مجموعة من المواطنين الأميركيين الذين يدينون بالإسلام فحسب، مما يجعله يتسق، من وجوه عدة، مع الدعوة العنصرية الإرهابية المتطرفة التي أطلقها القس تيري جونز للتحريض على حرق كتاب الله العزيز، إمعاناً في إهانة المسلمين في كل أقطار الأرض، وفي تأجيج نار الكراهية بدوافع دينية.

وطبقاً للقوانين المعمول بها في نيويورك، وبناءً على ترخيص من المجلس البلدي لمدينة نيويورك، وعلى موافقة لجنة الحفاظ على المباني التاريخية. وعلى موافقة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  وغالبية أعضاء الكونغرس وهم جميعاً مواطنون أمريكيون، وحيث أن الدستور الأميركي يكفل للمواطن الأميركي الحقَّ الكامل غير المنقوص في ممارسة الحرية الدينية، وفي بناء الأماكن المخصصة لذلك، سواء أكانت كنائس أم مساجد أم كنس وهو حق شملته وثيقة الاستقلال الأمريكية بالجوهر (1776) وكفله الدستور الأمريكي (1787) وقانون الحريات الأمريكي (1789) الذي أضيف إلى الدستور، إلا أن التصدي والاحتجاج والاستنكار ومنع  إقامة مثل هذا الصرح في بلد الحريات يعتبر خرق واضح وفاضح لمقومات تأسيس وقيام مثل هذه الدولة، ولكن أخطر ما في الأمر هو السيطرة الصهيونية والإسرائيلية على العقول السياسية والدينية في الولايات المتحدة وعلى الإعلام الذي تمكن من التأثير على العقل الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام ليجعل من الأمة الإسلامية والدين الإسلامي غول يقتات على لحوم الشعوب الأخرى.

ولا فرق يذكر بين مسؤولية الحكومات العربية والإسلامية في هذه الحال ومسؤولية الصهيونية لأن العرب والمسلمين قد تهاونوا وتساهلوا ووقفوا صامتين أمام الممارسات التي هدرت حقوق أمتهم وتجاهلتها واكتفوا بإصدار بيانات تنديدية خفيفة اللهجة وبعض من المواكب البشرية غير المنظمة التي خرجت إلى الشوارع لتعلن ثورتها ضد العالم الذي انتهك مقدساتها وأهان رسولها (ص)، دون أي تحرك عقلاني يذكر لنشر الحقائق عن الإسلام وعن الحضارة الإسلامية والعالم الإسلامي، بشتى الوسائل المتاحة وهي كثيرة.

أين الإسلام في أمريكا والغرب؟! أين هم أصحاب العقول النيرة والقلوب الطاهرة ليعملوا على وقف تدفق المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين؟! أو ليس المطلوب وبإلحاح كبير التصدي لحملات الكراهية والعنصرية الموجهة ضد العروبة والإسلام بتقديم المعرفة الصحيحة بكثير من التفهم والحب، أين هم حماة الدين الذين يلبسون لباس الدعوة ليسارعوا إلى تغيير الفكرة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين والتي ارتسمت من خلال أكاذيب الصهيونية الممزوجة بالممارسات المغلوطة لبعض المتزمتين الذين يدعون الإسلام والإسلام براء منهم ومن تفجيرات سبتمبر الإرهابية ومن قتل الأبرياء، ومن التكفير، ومن إلغاء الآخر، وقمع الحريات، ووضع المرأة في زنزانة الذكورية المستعبدة، وفوضى الفضائيات الدينية العشوائية التي تتحفنا بفتنها وسقطاتها باسم الدين…الخ

وعلى حد قول الإمام علي بن أبي طالب «انزع القذى التي بعينك قبل نزعها من عيون الآخرين»..